القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة واقعية..حكاية وعبرة

                                   روضة الكبار

قصة وعبرة



 

ظلّ محمد مختبئ لعدّة أيام في ذاك الخراب ..

هو لا يعلم إلى أين سيذهب، أو كيف سيتجول بين الناس.

 هو لا يستطيع الكلام، و حتى إن تكلم فلن يفهمه أو يكلّمه أحد.

 كلما مرّ بجانبه شخص ما يرتبك ولا يعرف كيف يتصرف..

جلس محمد ذات مرة على رمال الشاطئ الذهبية ، يراقب في البحر الأزرق وأمواجه تارة وتارة أخرى يحدق في مجموعة من الأصدقاء وهم يلعبون كرة الطاولة وسترجع بذالك ذكرياته..

          فجأة تذكر محمد شيئين مهمين في حياته.

أولهما هي حياته قبل الهجرة غير شرعية .

 فقد كان محمد سابقا شابا مرحا محاط بالكثير من الأصدقاء منهم الجيدون و هناك السيئون أيضا ..

محمد الشاب الغني المدلل، الذي لا يهتم لأحد ويحصل على كل ما يريد.....(هكذا كان محمد).

أما ثاني شيء تذكره محمد هو يافوز..

قال محمد وهو يرطم يده في الرمال بكل غضب:

- لماذا أتذكر يافوز الآن؟

فنحن لسنا بإخوة ولا أصدقاء ، 

لم نكن أقارب ولا زملاء،

 حتّى  أننا لم نكن معارف.

إذن لما الآن بالتحديد؟

 قبل أشهر كان محمد قد نسى أو أقنع نفسه بأنه قد تجاوز تلك المرحلة من حياته..

فقد مرّت أيام على محمد وهو يرى وجه يافوز في كل مكان وحتى في المنام.

 تلك المرحلة قد مرّت، وتأنيب الضمير قد ولّى هذا ما ظنه محمد ..


 تسائل محمد من هو يافوز حتى أتذكره؟

فدارت هذه الكلمات في عقله:

 يافوز شاب ذو إعاقة ذهنية ، 

يافوز الشاب الذي يجلس لوحده دائما وإن كلمه أحد سيكون من باب الشفقة ، 

يافوز الذي لا يستطيع الكلام مع أحد وإن أراد فلن يسمعه أو يفهمه أحد،

 يافوز الذي لاطالما سخر منه محمد وأصدقائه ، 

يافوز شخصية مرتبكة  وخائفة على الدوام،  

يافوز  لا يملك أحد، 

يافوز الذي قتلته..

ارتبك محمد ووضع وجهه على كفيه وقال في همس:

 لا أنا لم أقتله..يافوز قتل نفسه. 

إذن لما كان يتهمني الجميع بقتله، 

 يتهمونني بالتنمر عليه. 

هل أنا الوحيد الذي فعلت هذا؟ وهل هذا جرم؟ إذن لما لم تعاقبني السلطات؟ 

كل ما في الامر أنه كان ضعيف شخصية..

لكنني  نسيت تلك الحادثة إذن لماذا  يخطر على بالي؟

هل..هل يعقل لأنني أصبحت يافوز الآن؟

نعم، 

نعم لقد بتّ أشبهه..

مجرد التفكير في هذا الإحتمال كفيل بأن يغرس الخوف في محمد، الموت أهون على أن يعيش وحيدا، مسكينا، يتعرض للسخرية والتنمر. 

ركض محمد نحو الشاطئ بسرعة خيالية ، و بعد عدّة خطوات لم تعد المنطقة التي يسبح فيها  تسمى بالشاطئ، بل كانت أبعد من ذلك بكثير..

وبعد أن ظنّ الجميع أن البحر قد بلع محمد، 

خرج مجددا وسبح نحو الرمال 

وهو يقول: هذا هو الفرق بين يافوز و محمد الأول استسلم والثاني لن يفعل.


قرر محمد الإعتذار من يافوز بأيّ طريقة. رغم أنه قد توفي لكن يافوز في كل مكان وفي حياة كل إنسان....

فكر وفكر وفكر ثم وجد الإجابة في سؤال صغير

ماذا كان يحب يافوز؟

ابتسم محمد وقال: الروضة.

  لطالما كان يجلس أمام روضة الأطفال من بعيد، يراقب الأطفال يرى البراءة  والألوان...

حوّل محمد تلك الخرابة إلى مكان محترم ، . ثم علّق على واجهتها لوحة بعنوان :"روضة الكبار"

ضحك من ضحك، 

وتجاهل العنوان من فعل ، 

إلى أن دخل شخصا ما إلى الروضة بدافع الفضول 

متسائلا:

ماهي روضة الكبار؟

فقال محمد: 

روضة الأطفال

- لكل من لا يستطيع الكلام حتى وإن أراد

- لكل من أراد صديق

- لكل شخص لا يعرف إلى أين سيذهب

- لكل شخص لا يملك من يستقبله

- لكل مرتبك وخائف

- لكل من يفكر بالإستسلام

- لكل يافوز

جاءت عجوز وحيدة فإبتسم محمد ، 

ثم جاء صبي يبحث عن صديق ، وجاءت إحداهن تعاني من خوف التنمر، 

وجاء مكتئب...

إلى أن دخل يافوز شخص مثل يافوز وبقلب يافوز

 وهنا بكى محمد...بكى دموع النصر.

يافوز موجود في كل حي وكل شارع.

 أشخاص عرفناهم، أحيانا ضحكنا معهم وأحيانا شفقنا على حالهم (مع أننا من يستحق شفقتهم). افعل شيء أو انشر فكرة تساعد هؤلاء فكرة كروضة الكبار، فهم يستحقون أن يعيشوا في عالم أبيض نقي لا هذا العالم الذي تلطخ وإسودّ كثيرا.

أتمنى أنكم استمتعتم بالقراءة شاركنا رأيك في التعليقات

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع